الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين

أما بعد فقد قال الله تعالى: وَإنْ مِنْ شَىءٍ إلا يُسَبِّحُ بحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفقَهُونَ تَسبِيحَهُم”

هذا العالمُ كلُّه يُسبّح بحمدِ الله لكنّ الناسَ لا يفقَهُونَ تَسبيحَ جميعِ المخلوقاتِ ،فالجماداتُ تُسَبّحُ اللهَ تعالى كما يُسبّحُ الحيوانُ أي ذَوُو الأرواحِ ، ذَوُو الأرواحِ يُقالُ لهم الحيوانُ الإنسُ والجنّ والملائكة والبهائِمُ،كلُّ ما فيه رُوحٌ يقالُ لهُ حيوانٌ ، أمّا ما لا رُوحَ فيه فهوَ الجمَادُ السّماواتُ والأرضُ والأشجارُ والجِبال والأحجارُ والماءُ ونحوُ ذلكَ ، وممّا يَشهَدُ لذلكَ أنّ جبلَ الطُّورِ الذي أمَرَ اللهُ مُوسَى بأنْ يَذهَبَ إليه رأَى اللهََ تعالى ، ومُوسى عليه وعلى نبيِنا الصلاةُ والسلامُ لم يرَه ، والله تعالى لمّا طلَب موسَى أن يرَى الله تعالى أوحَى الله إليه أنّه لا يراه أي في الدّنيا ،أمرَه بأن ينظُرَ إلى الجبَلِ  وقال لهُ إن استَقرّ مكانَهُ فسَوفَ ترَاني فلمّا تجلَّى اللهُ للجبل أيْ أَرَى اللهُ الجبلَ ذاتَه اندَكّ الجبلُ أي تحَطّمَ ،مِن هَيبة رؤيةِ اللهِ تحَطّمَ ،وموسى لما رأَى هذا وقَعَ مغْشِيّا علَيه ،اللهُ تبارك وتعالى يجعَلُ في بعضِ الجماداتِ إدْراكًا فتَنطِقُ ،ومما يشْهَدُ لذلكَ أنّ ثلاثةً منَ المسلمينَ الذينَ كانُوا قبلَ هذِه الأُمّةِ كانُوا في سَفَرٍ فدخَلُوا غارًا ليَستَرِيحُوا فوَقعتْ صَخرةٌ مِن قِمّةِ الجبلِ مِنْ فوقٍ نزَلت فسَدّتْ فَمَ الغارِ فَلم يَبقَ فُرجَةٌ يَستطِيعُونَ أنْ يخرُجُوا منها ،فقال بعضُهم لِبَعضٍ كلٌ مِنّا يَدعُو اللهَ تعالى بصَالح عمَلِه ،أي بعملٍ صالح عَمِلَه للهِ تعالى ليُفرِّجَ عَنّا فدَعا أحدُهم فانْفَرجَ مِن فَمِ الغارِ مِقدارًا لا يَستَطِيعُونَ الخروجَ مِنه، ثم دعا الثّاني بصالح عمَلِه فانفَرجَ  الغَارُ بعضَ الشّىءِ بحَيثُ لا يَستَطِيعُونَ الخروجَ ثم لما دَعا الثّالثُ انفرَج بحيثُ يَستَطيعونَ الخروجَ.

الرسولُ عليه السّلامُ قال:تلكَ الصّخرة هَبَطَتْ مِن خَشْيَةِ الله.”   قال الله تعالى: وإنّ منها لما يَهبِطُ مِنْ خَشْيةِ الله

الله تعالى يخلُق الشعور في الجمادات لكنّ البشرَ لا يَسمعونَ تسبيحَ الجماداتِ وبعضَ الحيوانات، إلا أهلَ الخصُوصيةِ ومَن شاء اللهُ له أن يسمعَ،ومما يشهَدُ لذلكَ ما حصَلَ لأبي مسلم الخَوْلانيّ رضي الله عنه، وهذه القِصّة قد ذُكرت فيما قبلُ وفيها أنّ السُّبحة كانت تقولُ سبحانَكَ يا مُنبِتَ النباتِ ويا دائمَ الثّباتِ،وقولهُا يا دائمَ الثّباتِ أي الذي وجوده أبدي أي لا يفنى، ليسَ معناه السّكونَ الذي هو مُقابِلُ الحرَكة لأنّ الحركةَ والسكونَ من صفاتِ الحجم ،صفاتُ الحجم كثيرةٌ ،الحركةُ والسكونُ والاتّصال والانفصال والاجتماع والافتراقُ واللون والحرارةُ والبرودة والرّطوبةُ واليُبوسةُ والتحولُ مِن صفَة إلى صفة والزيادةُ والنّقصان ،الحجمُ يتغَيّر وصفاتُه تتغَيّر ،الانسانُ حجْمٌ ولهُ صِفاتٌ عِلمٌ وقدرةٌ وإرادةٌ ،وصفاتُ الانسان تتَغير تزيدُ وتَنقُص ثم هي حادثةٌ ليست أزليةً لأنّ حجمَ الإنسان حادث وصفاتِه حادثةٌ،الله منـزّهٌ عن ذلك، الله ليس حجما ولا يتّصِفُ بصفات الحجم ،فالحجمُ لطيفُه وكثيفُه حادثٌ أي لم يكن موجودًا ثم أخرجهُ الله منَ العدم إلى الوجودِ ،فكما أن الحجمَ ذاتُه حادثٌ كذلكَ صِفاتُه حادثةٌ تتغير،فعِلمُ المخلوق يزيدُ وينقُص وقد يذهَبُ بالمرّة ،لآفةٍ منَ الآفاتِ يذهب علمُ الإنسان بالمرّة ،وأحيانا يَزيدُ وأحيانا ينقُصُ، فالله تعالى ليسَ حَجما ولا يتغيرُ ولا ينتقلُ من صفة إلى صفة ولا تزيدُ صفاتُه ولا تَنقُص.اهـ.

قال الله تعالى:ثم قسَتْ قلُوبُكُم مِنْ بَعدِ ذلكَ فهيَ كالحِجارةِ أو أشَدُّ قَسْوةً وإنّ منَ الحجارةِ لما يتفَجّرُ مِنه الأنهارُ وإنّ منها لما يَشّقّقُ فيَخرُجُ مِنه الماءُ وإنّ مِنها لما يهبِطُ مِن خَشْيةِ اللهِ ومَا اللهُ بغَافِلٍ عَمّا تَعمَلُونَ”   

وفي تفسير أبي جعفر الطبري ما  نصه:القول في تأويل قوله تعالى :وإنّ منها لما يَهبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ” وإنَّ منَ الحِجارةِ لمَا يَهبِطُ أيْ يتَرَدَّى مِنْ رَأسِ الجبَلِ إلى الأرضِ والسّفْحِ مِنْ خَوفِ اللهِ وخَشْيَتِه وإنّما وصَف اللهُ تَعالى ذِكْرُه الحِجارَة بما وصَفَها بهِ مِن أنّ مِنها المتَفَجّر منْه الأنهار وأنّ مِنها المتشَقّقُ بالماءِ وأنّ منها الهَابِطُ مِن خَشْيَةِ اللهِ مَعْذِرَةً مِنه جلّ ثنَاؤه لها دونَ الذينَ أخْبَر عن قَسْوَةِ قلُوبهِم مِن بَني إسرائيلَ إذْ كانُوا بالصّفةِ التي وصَفَهم اللهُ بها منَ التّكذيبِ لرُسُلِه والجحودِ لآياتِه بعدَ الذي أرَاهُم منَ الآياتِ والعِبَر وعايَنُوا مِن عجائب الأدِلّة والحُجج مع ما أعطاهم تعالى ذكره من صحة العقول ومنّ به عليهم من سلامة النفوس التي لم يُعطها الحجر والمدر ثم هو مع ذلك منه ما يتفجر بالأنهار ومنه ما يتشقق بالماء ومنه ما يهبط من خشية الله، فأخبر تعالى ذكرُه أن من الحجارة ما هو ألين من قلوبهم لِما يُدعَون إليه من الحقّ.

< Previous Post

علم الدين من المهد إلى اللحد

Next Post >

قصةُ قومِ لوط

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map