س: كثر الكلام عن موضوع تحديد الأسعار وإلزام الباعة بذلك، فلو تذكرون الحكم الشرعي في هذا؟ وجزاكم الله خيرا.

الجواب:

فقد رَوى التّرمذيّ وابنُ ماجَه وغيرُهما مِن حديثِ أنَسِ بنِ مالِكٍ رضيَ الله عنهُ قالَ: غَلا السّعرُ على عهدِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ! سَعِّرْ لنا فقال: "إنَّ اللهَ هو المسعِّرُ القابضُ الباسطُ الرَّزاقُ، وإنِّي لأرجُو أن ألقى ربِّي وليسَ أحدٌ منكُم يطلُبُني بمظلمةٍ في دمٍ ولا مالٍ".

قولُه: إنّ اللهَ هوَ المسَعّرُ أي يُقَلِّبُ أَحوَالَ السِّعرِ مِنَ الرُّخصِ إلى الغَلاءِ وعَكسِه.

فلا يجوزُ تحريمُ رَفع السّعرِ ولا يجوزُ إجبارُ البَائعِ على تَحدِيدِ الرِّبحِ بثُلُثِ رَأسِ المالِ ولا نِصفِه ولا بالمثلِ.

وقَد جاءَ في حديثِ تَحريمِ الرِّبا أي الزِّيادة في بَيعِ نَقدٍ بنَقدٍ أو مَطعُومٍ بمطعُوم: "فإذَا اختَلفَتْ هذِه الأجناسُ فبِيعُوا كيفَ شِئتُم إذَا كانَ يَدًا بيَدٍ"رواه البخاري ومسلم. فقولُه عليه الصلاةُ والسّلام: فبِيعُوا كيفَ شِئتُم" نَصٌّ على عَدمِ التّحديدِ في الرِّبح.

وأمّا مَا ذَكرَه بَعضُ الحنَابِلةِ عن الإمامِ أحمَد مِن أنّه قالَ: الغَبنُ الفَاحِشُ دُونَ إعلامِ المُشتَرِي حَرامٌ.

فهَذا القَول ليسَ قَولا مَشهُورًا عندَ الحنَابِلةِ، وإنْ صَحّ فمُرادُه إنْ رفَعَ السّعرَ فوقَ مَا هوَ مُعتَادٌ عندَ النّاسِ، أي فَوقَ ما اعتَادُوا أن يتغَابَنُوه وليسَ مجرّدَ رَفعِ السّعرِ، على أن هذِه الرِّوايةَ مُخالفةٌ للنَّص فلا يُعَوّلُ علَيها لأنها تُنافي قولَه صلى الله عليه وسلم: فإذَا اختَلفَتْ هذِه الأجناسُ فبِيعُوا كَيفَ شِئتُم" وقولَه: " إِنَّماَ الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ " رواه ابن ماجه، قال الحافظ البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله موثقون رواه ابن حبان في صحيحه.اهـ والقولُ المعتَمدُ الصّحيح حتى عندَ الإمام أحمدَ أنّ الغَبنَ ليسَ حَرامًا، إنما الحرامُ هوَ الغَشّ والكذبُ والإيهام خلافَ الحقيقةِ كأنْ أَوهمَه أنّ هذا هوَ سِعر السُّوق المعتاد وهو ليسَ كذلك.

والغَبنُ ليس عَيبًا مُثبِتًا للرَّدِّ لأنّ المشتَري هو الذي قَصّرَ في السّؤالِ قَبلَ أن يَشتَرِيَ. وقَد أجَازَ أحَدُ الصّاحِبَين وهو أبو يوسُف بيع فَلسٍ بألفِ فَلس.

مسئلةٌ: مَا يُعَدُّ غَبنًا فاحِشًا يختَلِفُ الفَرق فيه باختِلاف الأشياء على حسَبِ تعَارُفِ الناس عليه، فبَعضُ الأشياء زيادةُ ثلاثةِ أضعافٍ فيها يُعتَبرُ غَبنًا فاحِشًا كرَبطة الخبز المتعارَف عليها في بيروت وبعضُها أكثَر مِن ذلك.

وصَحّ عن عبد الله بنِ سَلام رضي الله عنه أنّه اشتَرى شيئًا بسبعمِائة وباعَهُ بأربَعةِ ءالاف. ذكرَه الحافظ ابنُ حجر في المطالِب العالية، وذكَر النوويّ في روضة الطالبين تحريمَ التّسعِير أي إلزام الناسِ بسِعرٍ مُعَيّن، وذكرَ أصحابُ المذاهب الثلاثة أيضًا ذلكَ واستَثنى بعضُهُم حَالَةَ اقتِضاءِ الضّرورةِ لذَلك.  

فمما يجبُ الحذَرُ منهُ قولُ كثيرٍ منَ الناس لمن يَرفَعُ السِّعرَ في البَيع والشِّراء: حَرامي أي سَارق، لأن هذا مخالف لقَولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم"إنما البَيعُ عن تَراض"رواه ابنُ ماجَه.

ومعنى الحديثِ أنّ الإنسانَ لهُ أن يَرفَع السِّعرَ كمَا يشَاءُ، فرَفع البائع السِّعرَ إلى الحدّ الذي يرِيدُه ولو كانَ مُجاوِزًا لسِعرِ البلَد أضعَافَ المرّات ليسَ حَرامًا إنْ لم يَكذب ويُوهِمُ المشتَرِي بما هو خِدَاع، فأمّا إنْ دخَلَ الكذِبُ والخِداع فالبائعُ ءاثم ولو كانَ رَفْعُه إلى حَدٍّ قَليل. لذلكَ مَهما رفَع الشّخصُ السِّعر لا يقالُ عنهُ حَرامِي أو هذَا حَرام. فمَن شَاءَ يَشتَرِي ومَن شَاءَ يَترُك، إنما الحرامُ أن يَغُشّ البائعُ ويَكذِب فيَقولُ هَذا رأسُ مالِه كذا وهو ليسَ كذلك، وكالذي يقولُ هَذا مِنَ الصِنفِ الجيّد وهو ليسَ مِنَ الصِّنفِ الجَيِّد هذا حَرام.

فائدة: قال الفقهاء: يستحب للبائع الرضى بالربح القليل.

فائدة: قيل لإبراهيم بن أدهم (المُتوفّى سنة 162 هجرية): إنّ اللّحم قد غَلاَ، فقال: أرخِصوه أي لا تشتروه وأنشد في ذلك:

 وإذا غلا شيء عليّ تركته       فيكون أرخص ما يكون إذا غلا

 كذا من صحيفة 8 من الرسالة القشيرية في علم التصوّف لعبد الكريم القشيري المتوفى سنة 465 هجرية رحمه الله.

 

< Previous Post

سؤال ما حكم من يسكن في بيت بعد انتهاء مدة الايجار من غير رضا المالك

Next Post >

غلاء الأسعار

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map