المقدمة

الحديثُ الأوَّلُ

الحديثُ الثَّاني

الحديثُ الثالثُ

الحديثُ الرابعُ

الحديثُ الخامسُ

الحديثُ السادسُ

الحديثُ السابعُ

الحديثُ الثامنُ

الحديث التاسع

الحديث العاشر

الحديث الحادي عشر

الحديث الثاني عشر

الحديث الثالث عشر

الحديث الرابع عشر

الحديث الخامس عشر

الحديث السادس عشر

الحديث السابع عشر

الحديث الثامن عشر

الحديث التاسع عشر

الحديث العشرون

الحديث الحادي و العشرون

الحديث الثاني و العشرون

الحديث الثالث و العشرون

الحديث الرابع و العشرون

الحديث الخامس و العشرون

الحديث السادس و العشرون

الحديث السابع و العشرون

الحديث الثامن و العشرون

الحديث التاسع و العشرون

الحديث الثلاثون

الحديث الحادي والثلاثون

الحديث الثاني والثلاثون

الحديث الثالث والثلاثون

الحديث الرابع والثلاثون

الحديث الخامس والثلاثون

الحديث السادس والثلاثون

الحديث السابع والثلاثون

الحديث الثامن والثلاثون

الحديث التاسع والثلاثون

الحديثُ الأربعون

الخاتمة



المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

          الحمد لله ربّ العالمين، قيوم السموات والأرضين، مدبر الخلائق أجمعين، باعث الرسل صلواته وسلامه عليهم إلى المكلّفين، لهدايتهم وبيان شرائع الدين، بالدلائل القطعية وواضحات البراهين.

          أحمده على جميع نعمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، الكريم الغفار، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله أفضل المخلوقين، المكرّم بالقرءان العزيز المعجزة المستمرة (لأن القرءان ليس كسائر معجزات الأنبياء فإنه دائم) على تعاقب السنين، وبالسنن المستنيرة للمسترشدين، المخصوص بجوامع الكلم وسماحة الدين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النّبيين والمرسلين، وءال كلّ وسائر الصالحين.

          أما بعد: فقد روينا عن عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبي هريرة وأبي سعيد الخدريّ رضي الله عنهم من طرق كثيرات بروايات متنوّعات، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من حفظ على أمتي أربعين حديثا (معنى الحفظ هنا: أن ينقلها إلى المسلمين وإن لم يحفظها ولم يعرف معناها. هذا حقيقة معناه، وبه يحصل انتفاع المسلمين لا بحفظ ما لم ينقله إليهم) من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء”، وفي رواية “بعثه الله فقيها عالما”، وفي رواية أبي الدرداء “وكنت له يوم القيامة شافعا وشهيدا” وفي رواية ابن مسعود “قيل له: ادخل من أيّ أبواب الجنة شئت” وفي رواية ابن عمر “كتب في زمرة العلماء وحشر في زمرة الشهداء”؛ واتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه.

          وقد صنّف العلماء رضي الله عنهم في هذا الباب ما لا يحصى من المصنّفات، فأول من علمته صنف فيه عبد الله بن المبارك، ثم محمد بن أسلم الطوسيّ العالم الربانيّ (نسبة إلى الرب زيد فيه الألف والنون على غير قياس كما تقول العرب لحيانيّ لمن لحيته طويلة، ومعناه العالم العامل المعلم)، ثم الحسن بن سفيان النّسويّ، وأبو بكر الآجرّيّ، وأبو بكر محمد بن إبراهيم الأصفهانيّ، والدّارقطنيّ، والحاكم، وأبو نعيم، وأبو عبد الرحمن السّلميّ، وأبو سعد المالينيّ وأبو عثمان الصابونيّ، ومحمد بن عبد الله الأنصاريّ، وأبو بكر البيهقيّ، وخلائق لا يحصون من المتقدمين والمتأخرين.

         وقد استخرت الله تعالى في جمع أربعين حديثا اقتداء بهؤلاء الأئمة الأعلام، وحفّاظ الإسلام، وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، ومع هذا فليس اعتمادي على هذا الحديث بل على قوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصّحيحة :”ليبلّغ الشاهد منكم الغائب” وقوله صلى الله عليه وسلم: “نضّر (حسّن الله وجهه، هذا معناه حسّنه وجمّله) الله امرأ (روي بتشديد الضاد وتخفيفها والتشديد أكثر ومعناه: حسّنه وجمّله) سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها“.

         ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين وبعضهم في الفروع وبعضهم في الجهاد وبعضهم في الزهد وبعضهم في الآداب وبعضهم في الخطب، وكلّها مقاصد صالحة رضي الله عن قاصديها.

        وقد رأيت جمع أربعين أهمّ من هذا كلّه وهي أربعون حديثا مشتملة على جميع ذلك وكلّ حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدّين قد وصفه العلماء بأنّ مدار الإسلام عليه أو هو نصف الإسلام أو ثلثه أو نحو ذلك.

       ثم ألتزم في هذه الأربعين أن تكون صحيحة ومعظمها في صحيحي البخاري ومسلم، وأذكرها محذوفة الأسانيد ليسهل حفظها ويعمّ الانتفاع بها إن شاء الله تعالى، ثم أتبعها بباب في ضبط خفي ألفاظها.

       وينبغي لكل راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث لما اشتملت عليه من المهمّات واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطّاعات، وذلك ظاهر لمن تدبّره. وعلى الله اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي، وله الحمد والنّعمة، وبه التوفيق والعصمة.



الحديثُ الأوَّلُ

               عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :”إنّما الأعمال بالنّيات وإنّما لكلّ امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليهرواه إماما المحدّثين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاريّ، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيريّ النيسابوريّ في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة.



الحديثُ الثَّاني

            عن عمر رضي الله عنه أيضا قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشّعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منّا أحد حتى جلس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفّيه على فخذيه وقال: يا محمّد أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا” قال: صدقت فعجبنا له يسأله ويصدّقه! قال: فأخبرني عن الإيمان. قال:”أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره” قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: “أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك” قال: فأخبرني عن الساعة. قال: “ما المسئول عنها بأعلم من السائل

         قال: فأخبرني عن أماراتها. قال :”أن تلد الأمة ربّتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان”. ثم انطلق فلبثت مليّا، ثم قال: “يا عمر أتدري من السائل؟قلت: الله ورسوله أعلم. قال: “فإنّه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم” رواه مسلم.

* قوله عليه السلام: أن تؤمن بالقدر خيره وشره معناه: تعتقد أن الله تعالى قدّر الخير والشر قبل خلق الخلق، وأن جميع الكائنات بقضاء الله تعالى وقدره وهو مريد لها)

* هو بفتح الهمزة: أي علاماتها، ويقال: أمار بلا هاء لغتان لكن الرواية بالهاء.

* قوله: أن تلد الأمة ربتها أي سيدتها. ومعناه أن تكثر السراري حتى تلد الأمة السرية بنتا لسيدها وبنت السيد في معنى السيد، وقيل: يكثر بيع السراري حتى تشتري المرأة أمّها وتستعبدها جاهلة بأنها أمها، وقيل غير ذلك. وقد أوضحته في شرح صحيح مسلم بدلائله وجميع طرقه.

* قوله وأن ترى الحفاة العراة العالة:جمع عائل، والعالة الفقراء، قوله صلى الله عليه وسلم: “العالة” أي الفقراء. ومعناه: أنّ أسافل الناس يصيرون أهل ثروة ظاهرة)

* وقول عمر “فلبثت مليّا” هو بتشديد الياء: أي زمانا كثيرا وكان ذلك ثلاثا، هكذا جاء مبينا في رواية أبي داود والترمذيّ وغيرهما)



الحديثُ الثالثُ

          عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزّكاة، وحجّ البيت، وصوم رمضان” رواه البخاريّ ومسلم.
 


الحديثُ الرابعُ

           أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصّادق المصدوق :”إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، فوالذي لا إله غيره إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النّار فيدخلها، وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها” رواه البخاريّ ومسلم.


                                                                    

الحديثُ الخامسُ

            أمّ المؤمنين أمّ عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ“.

* قوله صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” أي مردود كالخلق بمعنى المخلوق.


الحديثُ السادسُ

            عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :”إنّ الحلال بيّن وإنّ الحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من النّاس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالرّاعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكلّ ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب” رواه البخاريّ ومسلم.

*قوله صلى الله عليه وسلم: استبرأ لدينه وعرضه: أي صان دينه وحمى عرضه من وقوع الناس فيه.

* قوله صلى الله عليه وسلم: يوشك هو بضم الياء وكسر الشين: أي يسرع ويقرب.

* قوله صلى الله عليه وسلم: حمى الله محارمه معناه الذي حماه الله تعالى ومنع دخوله هو الأشياء التي حرمها.



الحديثُ السابعُ

         عن أبي رقيّة تميم بن أوس الدّاريّ رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :”الدين النصيحة” قلنا: لمن؟ قال :”لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم” رواه مسلم.

* قوله رضي الله عنه: رقية: هو بضم الراء وفتح القاف وتشديد الياء.

* قوله رضي الله عنه: الداريّ: منسوب إلى جد له اسمه الدار، وقيل إلى موضع يقال له: دارين ويقال فيه أيضا: الديري نسبة إلى دير كان يتعبد فيه وقد بسطت القول في إيضاحه في أوائل شرح صحيح مسلم.



الحديث الثامن

              عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله لا الله وأنّ محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحقّ الإسلام وحسابهم على الله” رواه البخاريّ ومسلم.



الحديث التاسع

          عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :”ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا به ما استطعتم فإنّما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم” رواه البخاريّ ومسلم.



الحديث العاشر

         عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”إنّ الله طيب لا يقبل إلا طيّبا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يا أيّها الرسل كلوا من الطيّبات واعملوا صالحا} وقال :{يا أيّها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السماء يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك” رواه مسلم.
 


الحديث الحادي عشر

         عن أبي محمد الحسن بن عليّ بن أبي طالب سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم :”دع ما يريبك إلى ما لا يريبك” رواه الترمذي والنّسائي وقال الترمذيّ: حديث حسن صحيح.

*قوله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك بفتح الياء وضمّها لغتان والفتح أفصح وأشهر. ومعناه: أترك ما شككت فيه واعدل إلى ما لا تشكّ فيه.



الحديث الثاني عشر

         عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه” حديث حسن رواه الترمذي وغيره هكذا.



الحديث الثالث عشر

          عن أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :”لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه”. رواه البخاري ومسلم.



الحديث الرابع عشر

           عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”لا يحلّ دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزّاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة” رواه البخاري ومسلم.



الحديث الخامس عشر

      عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه” رواه البخاريّ ومسلم.



الحديث السادس عشر

          عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رجلا قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أوصني. قال :”لا تغضب” فردّد مرارا قال :”لا تغضب” رواه البخاريّ.



الحديث السابع عشر

          عن أبي يعلى شدّاد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شىء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته” رواه مسلم.

* قوله صلى الله عليه وسلم: وليحد هو بضم الياء وكسر الحاء وتشديد الدال، يقال: أحدّ السّكين وحدّدها واستحدّها بمعنى.

* قوله صلى الله عليه وسلم وليرح ذبيحته أي يذبحها وهي بحالة ارتياح ليست وهي في حالة قلق يضجعها في مكان جيد.


الحديث الثامن عشر

        عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن” رواه الترمذيّ وقال: حديث حسن، وفي بعض النّسخ: حسن صحيح.



الحديث التاسع عشر

            عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال كنت خلف النبيّ صلى الله عليه وسلم يوما فقال :”يا غلام إنّي أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشىء لم ينفعوك إلا بشىء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشىء لم يضروك إلا بشىء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف” رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وفي رواية غير الترمذيّ :”احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا“.

* قوله تجاهك بضم التاء وفتح الهاء: أي أمامك كما في الرواية الأخرى. وقوله “تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة” أي تحبب إليه بلزوم طاعته واجتناب مخالفته.



الحديث العشرون

          عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاريّ البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”إنّ مما أدرك الناس من كلام النّبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت” رواه البخاري.

*قوله صلى الله عليه وسلم إذا لم تستح فاصنع ما شئت معناه: إذا أردت فعل شىء فإن كان مما لا يستحى من الله ومن الناس في فعله فافعله وإلا فلا، وعلى هذا مدار الإسلام.



الحديث الحادي و العشرون

            عن أبي عمرو وقيل أبي عمرة بن سفيان بن عبد الله الثّقفي رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك. قال :”قل ءامنت بالله ثمّ استقم ” رواه مسلم.

*قوله صلى الله عليه وسلم قل ءامنت بالله ثمّ استقم أي استقم كما أمرت ممتثلا أمر الله تعالى مجتنبا نهيه.


الحديث الثاني والعشرون

         عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله عنهما أنّ رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات وصمت رمضان وأحللت الحلال وحرّمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئا أدخل الجنة؟ قال: “نعم” رواه مسلم.

* قوله:”حرمت الحرام” أي اجتنبته. ومعنى “أحللت الحلال” فعلته معتقدا حلّّه.


الحديث الثالث والعشرون

           عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”الطّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرءان حجة لك أو عليك، كلّ الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها” رواه مسلم.

* قوله الطهور شطر الإيمان المراد بالطهور: الوضوء، قيل: معناه ينتهي تضعيف ثوابه إلى نصف أجر الإيمان، وقيل: الإيمان يجبّ ما قبله من الخطايا وكذلك الوضوء لكنّ الوضوء تتوقف صحته على الإيمان فصار نصفا. وقيل المراد بالإيمان الصلاة والطّهور شرط لصحتها فصار كالشطر، وقيل غير ذلك.

* وقوله صلى الله عليه وسلم والحمد لله تملأ الميزان أي: ثوابها.

* وقوله “سبحان الله والحمد لله تملآن”: أي لو قدّر ثوابهما جسما لملآ ما ذكر، وسببه ما اشتملتا عليه من التنزيه والتفويض إلى الله تعالى.

* وقوله “والصلاة نور” أي تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء وتهدي إلى الصواب، وقيل: يكون ثوابها نورا لصاحبها يوم القيامة، وقيل لأنها سبب لاستنارة القلب.

* وقوله “والصدقة برهان”: أي حجة لصاحبها في أداء حقّ المال، وقيل حجة في إيمان صاحبها لأن المنافق لا يفعلها غالبا.

* وقوله “والصبر ضياء”: أي الصبر المحبوب وهو الصبر على طاعة الله تعالى والبلاء ومكاره الدنيا وعن المعاصي. ومعناه: لا يزال صاحبه مستضيئا مستمرا على الصواب.

* وقوله “كل الناس يغدو فبائع نفسه” معناه: كل إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما.

* وقوله “فيوبقها” أي يهلكها


الحديث الرابع والعشرون

            أبي ذّرّ الغفاريّ رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم فيما يروي عن ربّه تبارك وتعالى أنّه قال :”يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظّالموا. يا عبادي كلّكم ضالّ إلاّ من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلّكم جائع إلاّ من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلّكم عار إلاّ من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنّكم تخطئون بالليل والنّهار وأنا أغفر الذّنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أنّ أوّلكم وءاخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أنّ أوّلكم وءاخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أنّ أوّلكم وءاخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيد واحد

           فسألوني فأعطيت كلّ واحد مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي إلاّ كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم ثمّ أوفّيكم إيّاها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلاّ نفسه” رواه مسلم.

* قوله “حرمت الظلم على نفسي”: أي تقدّست عنه، فالظلم مستحيل في حقّ الله تعالى؛ لأنّه مجاوزة الحدّ أو التصرف في غير ملك وهما جميعا محال في حقّ الله تعالى.

* قوله فلا تظّالموا هو بفتح التاء: أي لا تتظالموا.

*قوله “إلاّ كما ينقص المخيط” هو بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة وفتح الياء: الإبرة، ومعناه: لا ينقص شيئا.


الحديث الخامس والعشرون

           عن أبي ذرّ رضي الله عنه أيضا أنّ ناسا من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلّم: يا رسول الله ذهب أهل الدّثور بالأجور يصلّون كما نصلّي ويصومون كما نصوم ويتصدّقون بفضول أموالهم. قال :”أوليس قد جعل الله لكم ما تصّدّقون؟ إنّ بكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقةقالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال :”أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجررواه مسلم.


الحديث السادس والعشرون

          عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة كلّ يوم تطلع فيه الشّمس تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرّجل في دابّته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، وكلّ خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة” رواه البخاريّ ومسلم.

* قوله عليه الصلاة والسلام “كل سلامى” السلامى بضمّ السين وتخفيف اللام وفتح الميم، وجمعه سلاميات بفتح الميم وهي المفاصل والأعضاء وهي ثلاثمائة وستون مفصلا ثبت ذلك في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


الحديث السابع والعشرون

          عن النّوّاس بن سمعان رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال :”البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطّلع عليه النّاس” رواه مسلم. وعن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال :”جئت تسأل عن البرّ؟ قلت: نعم. فقال :”استفت قلبك، البرّ ما اطمأنّت إليه النّفس واطمأنّ إليه القلب، والإثم ما حاك في النّفس وتردّد في الصّدر وإن أفتاك الناس وأفتوك” حديث حسن رويناه في مسندي الإمامين أحمد بن حنبل والدّارميّ بإسناد حسن. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * قوله صلى الله عليه وسلم حاك بالحاء المهملة والكاف: أي تردّد.
                                                          


الحديث الثامن والعشرون

               أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنّها موعظة مودّع فأوصنا. قال :”أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة وإن تأمّر عليكم عبد حبشيّ فإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين عضّوا عليها بالنّواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّ كلّ بدعة ضلالة” رواه أبو داود والترمذيّ وقال: حديث حسن صحيح.

* قوله رضي الله عنه: ذرفت بفتح الذال المعجمة والراء أي سالت.

*وقوله صلى الله عليه وسلم “بالنواجذ” هو بالذال المعجمة وهي الأنياب، وقيل: والبدعة: ما عمل على غير مثال سبق.

الأضراس.

* وقوله صلى الله عليه وسلم: فإن كل بدعة ضلالة أي كل بدعة سيئة: ضلالة.


الحديث التاسع والعشرون

           عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. قال :”لقد سألت عن عظيم وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت”، ثمّ قال :”ألا أدلّك على أبواب الخير؟ الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف الليل” ثمّ تلا :{تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {يعملون} ثمّ قال :”ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟” قلت: بلى يا رسول الله. قال :”رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهادثم قال :”ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه وقال :”كفّ عليك هذا” قلت: يا نبيّ الله وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ فقال :”ثكلتك أمّك! وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم” أو قال “على مناخرهم إلاّ حصائد ألسنتهم؟” رواه الترمذيّ وقال: حديث حسن صحيح.

* قوله صلى الله عليه وسلم “ثكلتك أمك” معناه انتبه.

* قوله صلى الله عليه وسلم ذروة سنامه أي أعلاه.

*وقوله صلى الله عليه وسلم ملاك الشىء بكسر الميم أي مقصوده.

* وقوله صلى الله عليه وسلم وهل يكب الناس هو بفتح الياء وضم الكاف.


الحديث الثلاثون

              أبي ثعلبة الخشنيّ جرثوم بن ناشر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال :”إنّ الله تعالى فرض فرائض فلا تضيّعوها، وحدّ حدودا فلا تعتدوها، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها” حديث حسن رواه الدّارقطنيّ وغيره.

* قوله صلى الله عليه وسلم “فلا تنتهكوها” أي انتهاك الحومة: تناولها بما لا يحل.

* وقوله صلى الله عليه وسلم “وسكت عن أشياء” أي لم يذكرها.


الحديث الحادي والثلاثون

           عن أبي العبّاس سهل بن سعد السّاعديّ رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله دلّني على عمل إذا عملته أحبّني الله وأحبّني الناس؟ فقال :”ازهد في الدّنيا يحبّك الله وازهد فيما عند النّاس يحبّك النّاس” حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة.


الحديث الثاني والثلاثون

         عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدريّ رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال :”لا ضرر ولا ضرار” حديث حسن رواه ابن ماجه والدّارقطنيّ وغيرهما مسندا، ورواه مالك في الموطإ مرسلا عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فأسقط أبا سعيد، وله طرق يقوّي بعضها بعضا.

* قوله صلى الله عليه وسلم “لا ضرر” أي يحرم أن يضرّ الشخص غيره. النهي عن الضرر من جهة واحدة.

* “ولا ضرار” هو بكسر الضاد المعجمة. النهي عن الضرر من الجانبين هذا يضره وهذا يضره.


الحديث الثالث والثلاثون

              عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال :”لو يعطى النّاس بدعواهم لادّعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكرحديث حسن رواه البيهقيّ وغيره هكذا وبعضه في الصّحيحين.


الحديث الرابع والثلاثون

         عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول :”من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان” رواه مسلم.

* قوله صلى الله عليه وسلم “فإن لم يستطع فبقلبه” معناه: فلينكر بقلبه.

* قوله “وذلك أضعف الإيمان” أي أقلّه ثمرة.


الحديث الخامس والثلاثون

          عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :”لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره؛ التّقوى ههنا” ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرىء من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه” رواه مسلم.

* قوله صلى الله عليه وسلم “ولا يخذله” بفتح الياء وإسكان الخاء وضم الذال المعجمة.

* وقوله صلى الله عليه وسلم “ولا يكذبه” هو بفتح الياء وإسكان الكاف.

* وقوله صلى الله عليه وسلم “بحسب امرىء من الشر” هو بإسكان السين المهملة أي يكفيه من الشر.


الحديث السادس والثلاثون

            عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :”من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلاّ نزلت عليهم السّكينة وغشيتهم الرحمة وحفّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه” رواه مسلم بهذا اللفظ.


الحديث السابع والثلاثون

           عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما يروي عن ربّه تبارك وتعالى قال :”إنّ الله كتب الحسنات والسيّئات ثمّ بيّن ذلك، فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن همّ بسيّئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيّئة واحدة” رواه البخاريّ ومسلم في صحيحهما بهذه الحروف.

         فانظر يا أخي وفّقنا الله وإيّاك إلى عظيم لطف الله تعالى وتأمّل هذه الألفاظ. وقوله “عنده” إشارة إلى الاعتناء بها، وقوله “كاملة” للتأكيد وشدّة الاعتناء بها. وقال في السيّئة التي همّ بها ثمّ تركها “كتبها الله عنده حسنة كاملة” فأكّدها بكاملة، وإن عملها كتبها سيئة واحدة” فأكّد تقليلها بواحدة ولم يؤكّدها بكاملة، فلله الحمد والمنّة سبحانه لا نحصي ثناء عليه، وبالله التوفيق.


الحديث الثامن والثلاثون

         عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”إنّ الله تعالى قال: من عادى لي وليّا فقد ءاذنته بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشىء أحبّ إليّ ممّا افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنّه” رواه البخاريّ.

* قوله “فقد ءاذنته بالحرب” أي أعلمته بأنه محارب لي.

*وقوله استعاذني” ضبطوه بالنون وبالباء وكلاهما صحيح.

* وقوله ” فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها” معناه أعطيه قوة غريبة في سمعه، وأعطيه قوة غريبة في بصره، وأعطيه قوة غريبة في يده ورجله، وقيل معناه أحفظ له سمعه وبصره ويده ورجله.


الحديث التاسع والثلاثون

          عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”إنّ الله تجاوز لي عن أمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه” حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقيّ وغيرهما.

*قوله صلى الله عليه وسلم “إن الله تجاوز لي عن أمّتي الخطأ” أي ما يفعل الإنسان من المعاصي بلا إرادة كأن يتكلم بكلمة كفرية على وجه سبق اللسان أو يرمي سهما إلى صيد فيصيب السهم إنسانا، هو رأى صيدا، فصوب إليه سهما فصادف السهم شخصا مسلما أو كافرا ذمّيّا، هذا القتل الذي قتله لا يؤاخذ به لأنه خطأ بلا إرادة ولا يدخل في الحديث ما يخطىء فيه الإنسان في مفاهيمه الحقّ.


الحديثُ الأربعون

           عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال :”كن في الدّنيا كأنك غريب أو عابر سبيل”. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحّتك لمرضك ومن حياتك لموتك” رواه البخاريّ.

* قوله صلى الله عليه وسلم كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل”: أي لا تركن إليها ولا تتخذها وطنا، ولا تحدّث نفسك بطول البقاء فيها ولا بالاعتناء بها ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه، ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله.


الخاتمة

        فهذا ءاخر ما قصدته من بيان الأحاديث التي جمعت قواعد الإسلام، وتضمّنت ما لا يحصى من أنواع العلوم في الأصول والفروع والآداب وسائر وجوه الأحكام.

        وها أنا أذكر بابا مختصرا جدّا في ضبط خفيّ ألفاظها مرتبة لئلا يغلط في شىء منها، ويستغني بها حافظها عن مراجعة غيره في ضبطها، ثم أشرع في شرحها إن شاء الله تعالى في كتاب مستقلّ، وأرجو من فضل الله تعالى أن يوفّقني فيه لبيان مهمّات من اللطائف، وجمل من الفوائد والمعارف، لا يستغني مسلم عن معرفة مثلها، ويظهر لمطالعها جزالة هذه الأحاديث وعظم فضلها، وما اشتملت عليه من النفائس التي ذكرتها، والمهمات التي وصفتها، ويعلم بها الحكمة في اختيار هذه الأحاديث الأربعين، وأنها حقيقة بذلك عند الناظرين.

      وإنما أفردتها عن هذا الجزء ليسهل حفظ ذا الجزء بانفراده، ثم من أراد ضمّ الشرح إليه فليفعل ولله عليه المنّة بذلك؛ إذ يقف على نفائس اللطائف المستنبطات من كلام من قال الله في حقّه :{وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى} (سورة النجم/4.3) ولله الحمد أوّلا وءاخرا وباطنا وظاهرا. انتهى كلام النووي رحمه الله.

وسبحان الله والحمد لله رب العالمين 

< Previous Post

فتاوى السنّة: باب المعاملات الشرعية والنكاح

Next Post >

متن أبي شجاع في الفقه الشافعي

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map