إن الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضلَّ له ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له ولا مثيل له، ولا ضِدّ ولا نِدّ له، وأشهد أنّ سيّدَنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه، صلّى الله وسلّم عليه وعلى كلِّ رسول أرسله.

أما بعد عبادَ الله فإنّي أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم القائلِ في محكم التنـزيل:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” سورة الحشر / 18

فهنيئًا لمنِ اتّقى ربَّهُ والتزمَ بشرعِ سيّدِنا محمّد، وهنيئًا لمن حَجَّ واعتمرَ وزارَ قبرَ النبيّ محمّد، وهنيئًا لمن تمسَّكَ بنهجِ سيّدِ المرسلين محمّدٍ واهتدَى بنبيّ الله محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم. وقد علَّمَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام أُمّتَهُ كثيرًا منَ الأمورِ التي تَنفعُهُم في دينِهِم ودُنياهُم وحَضَّهُم على العملِ بها.

إخوةَ الإيمان، خطبتُنا اليومَ بإذنِ الله ربِّ العالمين، تتركّزُ على أشياءَ يجلِبُها الحجّاجُ عادةً معهُم كالسواكِ وماءِ زمزم وتمرِ المدينة والسُّبْحَةِ وغيرِ ذلك منْ تلكَ الديارِ العظيمةِ مِنْ مكّةَ أمِّ القُرَى ومن طيبةٍ التي طابتْ برسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم.

وسنبدأُ بالتّحدُّثِ عنِ السواك، فقد قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: “السواكُ مَطهرةٌ للفمِ مَرضاةٌ للرَّبِّ” وقال: “رَكعتانِ بسواكٍ أفضلُ منْ سبعينَ رَكعةً مِنْ غيرِ سواك”. والسواكُ شرعًا معناهُ استعمالُ عودٍ أو نحوِه في الفمِ لتنظيفِ الأسنان، وأفضلُ ما يُستعملُ لذلكَ هو خشبُ الأَرَاك، فيُسنُّ الاستياكُ عندَ القيامِ إلى الصلاة، فيستاكُ بعدَ غسلِ الكفّين، كما يُسنُّ الاستياكُ للتيمّمِ ولِقراءةِ القرءانِ ولصُفْرَةِ الأسنانِ وللطوافِ وعندَ القيامِ منَ النّوم، ويُسنُّ أن يستاكَ المسلمُ باليدِ اليُمنى وأنْ يبدأَ بالجانبِ الأيمنِ مِن فمِهِ وأن يُمِرَّه على سقفِ حلْقِهِ إمرارًا لطيفًا، وينويَ بالاستياكِ السُّنّة. ومن فوائدِ السواكِ أنَّه يُطهّرُ الفمَ ويُرضي الربَّ ويَشُدُّ اللِّثَةَ ويُضاعِفُ الأجرَ ويُبيّضُ الأسنانَ، ويساعدُ على إخراج الحروف مِن مخارجها ويُذكِّرُ بالشّهادةِ عندَ الموت، ومَن مِنّا لا يتمنَّى أنْ ينطِقَ بالشهادةِ عندَ الموت. فحافظوا إخوةَ الإيمانِ على هذه السُّنةِ العَظيمة.

وأما ماءُ زمزمَ فيُستحبُّ شُربُه، ومَن كانَت لهُ حاجةٌ فلْيشربْ ماءَ زمزمَ على نيةِ قضاءِ حاجتِه وليقل إذا شاءَ اللهمَّ إنّه بلغني أنّ نبيَّكَ صلى الله عليه وسلمَ قال: “ماءُ زمزمَ لِما شُرِبَ له. اللهمَّ إني أشربُه سائلا علمًا نافعًا ورِزْقًا واسعًا وشفاءً من كلِّ داء ويسأل غير ذلك مما يريد”.

وأما التَّمْرُ فإنَّ لبعضِ أصنافِه خصوصيّةً ليست في غيره من الأصناف ومِن ذلك عجوةُ المدينة، فقد قالَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم:” مَنْ تَصَبَّحَ – أي أكل صباحا- سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ “. (رواه البخاري)

ومن جملة ما يحمله الحاجُّ عندَ عودتِه من حجِّه السُّبحة، ولا بأسَ باستعمالها لذكرِ اللهِ فإنها تُذكِّرُ حاملَها بتسبيحِ اللهِ عزَّ وجلَّ وتمجيدِه. فإنَّ بعضَ نساءِ الرسولِ عليه الصلاة والسلام وَضَعَتْ أمامَها أربعةَ ءالافٍ مِنْ نَوَى التَّمْرِ لتسبّحَ بها فرءاها الرسولُ ولم يُنكرْ عليها. فمِنْ هنا فَهم العلماءُ أنَّ التسبيحَ بالسُّبحةِ جائزٌ ليس حرامًا، ولكنَّ الذكرَ بِعَدِّ الأناملِ وعَقْدِها أفضل. فقد قال عليه الصلاة والسلام: “عليكُنَّ بالتسبيحِ والتهليلِ والتَّقديسِ واعْقِدْنَ بالأناملِ فإنَهُنَّ مَسؤولاتٌ ومُستَنْطَقَات” . أي أنّ اللهَ تعالى يجعَلُ فيها النُّطقَ يومَ القيامةِ فتشهدُ على أصحابها بما كانوا يفعلونَه في الدنيا من ذكرِ الله معَ العَدِّ على الأنامِل، وقدْ حصلَ في الدُّنيا ما يشهَدُ لهذا وهو أنّ أبا مسلمٍ الخولاني وهو من التابعين الزاهدين، مرّة كانَ يُسبِّح بالسُّبحةِ ثُمّ نامَ فصارتِ السُّبْحةُ تدورُ في يدِهِ وهو نائمٌ وتقول: “سبحانَك يا مُنْبِتَ النَّبات، ويا دائِمَ الثَّبَات” . ومعنى دائمِ الثبات أي وجودُه لا نهايةَ له، ثُمّ استيقظَ فنادَى زوجَتَه: “يا أُمَّ مُسلم: تعالَي انْظُرِي إلى أعجبِ الأَعاجيب”. فلمّا جاءتْ ورأتِ السبحةَ تدورُ وتَذْكرُ سكتتِ السبحة. فهذا حصلَ في الدنيا وهو شاهدٌ لِما يحصلُ يومَ القيامةِ مِنْ نُطْقِ الأنامل لأصحابها.

إخوة الإيمان والإسلام، إنَّ علمَ الدينِ هو حياةُ الإسلام، فوجبَ الاهتمامُ به تعلُّمًا وتعليمًا، تعلُّمًا منَ الثقاتِ مِنْ أهلِ المعرفة، وليس بمجردِ المطالعةِ في الكتب، فكم وكم منَ الناس ممن لم يَتَلقَّوا العِلْمَ من أفواهِ العلماءِ ضَلُّوا وأضَلُّوا لاعتمادهم على المطالعة في أيِّ كتابٍ ومن غيرِ مُعلمٍ ثقة. ولهذا نحذركم وخاصة في مثلِ هذه الأيام مِنْ كثيرٍ من الكتبِ التي مُلِئَتْ بالعقائدِ الفاسدةِ من عقائد المشبهةِ المجسّمةِ نفاةِ التّوسّل، والتي توزّع على حجاجِ بيتِ الله الحرام، تلك الكتب الصغيرة الملونة المزخرفة، والتي فيها تشبيهُ الله بخلقة والعياذُ بالله، وفيها تحريمُ التوسلِ بأفضلِ خَلق الله محمد صلى الله عليه وسلم، فاحذروها أشدَّ الحذر، ولا تقرءوا فيها، وحذروا منها مَن جَلَبَهَا، وشجعوه على الالتزام بأهلِ الثقةِ والمعرفة منْ أهل العلم. نسأل الله تعالى السلامة.

كما ونُذكِّركم إخوةَ الإيمان بالطلَبِ منَ الحجّاجِ القادِمِينَ بأنْ يستَغْفِرُوا اللهَ لكم . فقد قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: “اللهمَّ اغْفِرْ للحَاجِّ وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحاجُّ”.                                                        

هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم

< Previous Post

خطبة الجمعة | زيارة الحبيب محمّد قربةٌ وشرفٌ عظيم

Next Post >

خطبة الجمعة | معجزة الإسراء والمعراج

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map